فصل: باب ما جاء في صبغ الشعر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب الطيرة والعدوى

1763- مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا هام ولا صفر ولا يحل الممرض على المصح وليحلل المصح حيث شاء فقالوا يا رسول الله ‏!‏ وما ذاك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أذى قال أبو عمر هكذا رواه يحيى وتابعه قوم من رواة الموطأ ورواه القعنبي والتنيسي وأبو مصعب وزياد بن يونس وبن بكير عن مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بن عطية الأشجعي عن أبي هريرة فزادوا في الإسناد عن أبي هريرة إلا أن بن بكير قال فيه عن بن عطية الأشجعي وقد قيل إن بن عطية اسمه عبد الله ويكنى أبا عطية وقيل إنه مجهول لا يعرف إلا في هذا الحديث قال أبو عمر لم يأت إلا بحديث معروف محفوظ من حديث أبي هريرة وقد روى حديثه هذا بشر بن عمر عن مالك فقال فيه عن بن عطية أو عن أبي عطية حدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن عبد الله قال حدثني يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثني أبو هشام الرفاعي قال حدثني بشر بن عمر الزهراني قال حدثني مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي عطية أو بن عطية - شك بشر - عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طيرة ولا هام ولا يعدي سقيم صحيحا وليحل المصح حيث شاء وقد روى هذا الحديث عن أبي هريرة جماعة منهم محمد بن سيرين وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله وروى أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لا عدوى ولا هام ولا طيرة سعد بن أبي وقاص وبن عباس وجابر وقد ذكرت أحاديثهم كلها في التمهيد وذكرت ما للعلماء في معنى الطيرة والفأل ومعنى الهام والصفر وما جاء في ذلك عن السلف من الأخبار وعن العرب من المذاهب والأشعار في موضعين من التمهيد أحدهما هذا البلاغ والآخر حديث بن شهاب عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر وقد ذكرنا هناك من ذلك طرقا ونذكر ها هنا من حديث أبي هريرة ولو طريقا واحدا أما قوله لا عدوى فمعناه أنه لا يعدي شيء شيئا ولا يعدي سقيم صحيحا والله يفعل ما يشاء لا شيء إلا ما شاء وكانت العرب أو أكثرها تقول بالعدوى والطيرة ومنهم من كان لا يصدق بذلك وينكره ولكل طائفة منهم في مذهبه أشعار وقد ذكرت منها في التمهيد ما يكفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى إعلاما منه أن ما اعتقد من ذلك من اعتقده منهم كان باطلا وأنشد الشافعي للحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري‏:‏

لا يزجر الطير شيخا إن عرضن له *** ولا يفيض على قسم بأزلام

قال الشافعي يعنى أنه سلك طريق الإسلام في التوكل على الله تعالى وترك زجر الطير قال الشافعي وقال بعض الشعراء يمدح نفسه‏:‏

ولا أنا ممن يزجر الطير همه *** أصاح غراب أم تعرض ثعلب

وللشافعي - رحمه الله - كلام في السائح من الطير والبارح ذكره حين سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أقروا الطير على وكناتها ويروى على مكانتها وقد ذكرناه في غير هذا الموضع‏.‏

وأما قوله لا هام فإنهم اختلفوا أيضا في ذلك فقالوا أو من قال منهم إن الرجل إذا قتل خرج من رأسه طائر يزفو فلا يسكت حتى يقتل قاتله وقال شاعرهم‏:‏

فإن تك هامة بالمرء تزفو *** وقد أزفيت بالمروين هامة

يريد مرو الروذ ومرو الشلنجات وقال بعضهم عظام القتيل تصير هامة فكانت تطير وكانوا يسمون ذلك الطائر الصداء قال لبيد يرثي أخاه‏:‏

فليس الناس بعدك في نفير *** وما هم غير أصداء وهام

وقال أبو دؤاد الإيادي‏:‏

سلت الموت والمنون عليهم *** فلهم في صداء المقابر هام

فأكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا عدوى ولا هام ونهى عن اعتقاد ذلك‏.‏

وأما قوله ولا صفر فقال بن وهب هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل الصفار أحدا وقال آخرون هو شهر صفر كانوا يحلونه عاما ويحرمونه عاما وذكر بن القاسم عن مالك مثل ذلك قال‏.‏ وقال مالك الهام الطير الذي يقال له الهامة وقد ذكرنا في التمهيد ما قاله أبو عبيد وغيره في ذلك كله‏.‏

وأما الممرض فالذي إبله مراض والمصح الذي إبله صحاح‏.‏ وأما قوله إنه أذى فقال أبو عبيد معنى الأذى عندي المأثم وروى بن وهب عن بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال يكره أن يدخل المريض على الصحيح وليس به إلا قول الناس‏.‏

وأما حديث أبي هريرة فنذكره من حديث بن شهاب من بعض طرقه لأنه عند بن شهاب عن سنان بن أبي سنان عن أبي هريرة وعن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وعند معمر منها حديثان وليس عند مالك عن بن شهاب منها شيء روى عبد الرزاق عن معمر وروى بن وهب عن يونس كلاهما عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا هامة ولا صفر فقام أعرابي فقال يا رسول الله إن الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيرد عليها البعير الجرب فتجرب كلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول‏.‏

وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال كان أبو هريرة يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ثم حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يورد ممرض على مصح الحديثين كليهما ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى فأقام على أن لا يورد ممرض على مصح قال فقال الحارث بن أبي ذباب وهو بن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا حديثا آخر قد سكت عنه كنت تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى فأبى أبو هريرة أن يحدث بذلك وقال لا يورد ممرض على مصح فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة ورطن بالحبشية ثم قال للحارث أتدري ما قلت قال لا قال أبو هريرة إني أقول أبيت أبيت قال أبو سلمة فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين ورواه الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله سواء إلى آخره‏.‏

كتاب الشعر

باب السنة في الشعر

1764- مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى قال أبو عمر قد روي هذا الحديث عن مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك وهم ممن رواه وقد ذكرناه في التمهيد والصواب ما رواه يحيى وغيره في الموطأ عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما الإحفاء فهو عند أهل اللغة الاستئصال بالحلق والإعفاء عندهم ترك الشعر لا يحلقه وقد اختلف العلماء في حلق الشارب فكان مالك يقول السنة قص الشارب وهو أخذ الشعر من الإطار وهو طرف الشفة العليا وأصل الإطار في اللغة جوانب الفم المحدقة به وكل شيء يحدق بالشيء ويحيط به فهو إطار له والحجة لمالك فيما ذهب إليه من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم خمس من الفطرة فذكر منها قص الشارب وقد تقدم في بابه من هذا الكتاب ومن الحجة له أيضا حديث زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه شيئا فليس منا وحديث عبد الله بن بسر قال كان شارب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيال شفته وحديث المغيرة بن شعبة قال ضفت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر لي بجنب فشوي وأخذ من شاربي على سواك وهذا كله لا يكون معه حلق ولا استئصال وقد ذكرت هذه الأحاديث بأسانيدها في باب أبي بكر بن نافع في التمهيد وقد ذكرناها في باب سعيد بن أبي سعيد أيضا‏.‏

وقال مالك في الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار فلا يجزه ولا يمثل بنفسه وقال بن القاسم عنه إحفاء الشارب عندي مثله وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه ويقول تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم إحفاء الشارب إنما هو الإطار وقال بن عبد الحكم عنه ليس إحفاء الشارب حلقه وأرى أن يؤدب من حلق شاربه وقال أشهب عن مالك في حلق الشارب هذه بدع وأرى أن يوجع ضربا من فعله‏.‏

وقال مالك كان عمر بن الخطاب إذا كربه أمر نفخ وفتل شاربه وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال السنة في الشارب الإطار واحتج بعض أصحابنا المتأخرين بأن الشارب لا يقع إلا على ما يباشر به شرب الماء من الشفة وهو الإطار فذلك الذي يحفى وذكر بن وهب عن الليث قال لا أحب لأحد أن يحلق شاربه ولكن يقصره على طرف الشارب وأكره أن يكون طويل الشاربين‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إحفاء الشارب وحلقه واستئصاله أفضل من تقصيره ومن قصه وقال أبو بكر الأثرم رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه إحفاء شديدا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال يحفى كما قال نبي الله صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب قال أبو عمر حجة من ذهب إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب والشارب معروف وهو ما عليه الشعر من الشفه العليا تحت الأنف حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن قاسم قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني هارون بن عبد الله قال حدثني معن بن عيسى وروح بن عبادة وعبد الله بن نافع قالوا حدثنا مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى‏.‏

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى قال أبو عمر من حجتهم أيضا حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال جزوا الشوارب واتركوا اللحى وروى عكرمة عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجز شاربه وهذا قد خولف فيه راويه فقيل فيه يقص شاربه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثني حسين بن صالح عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من شاربه وكان إبراهيم خليل الله -عليه السلام- يقص من شاربه قالوا‏.‏

وأما ما روي عن عمر أنه كان ربما فتل شاربه إذا اهتم فهذا لا حجة فيه لأنه لا بد للمرء أن يترك شاربه حتى يكون فيه الشعر ثم يحلقه بعد ورووا عن عبد الله بن عمر أنه كان يحفي شاربه حتى كأنه ينتفه وقال بعضهم في حديث بن عمر حتى يرى بياض الجلد وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي أسيد الساعدي ورافع بن خديج وسهل بن سعد أنهم كانوا يحفون شواربهم‏.‏

وأما قوله واعفوا اللحى فقال أبو عبيد يعني وفروا اللحى لتكثر يقال فيه عفا الشعر إذا كثر وقد عفوت الشعر وعفيته لغتان وقال بن الأنباري وغيره عفا القوم إذا كثروا وعفوا إذا قلوا وهو من الأضداد ويقال عفوته أعفوه وعفيته أعفيه قال أبو عمر روى أصبغ عن بن القاسم قال سمعت مالكا يقول لا بأس أن يأخذ ما تطاير من اللحية وشذ وقال فقيل لمالك فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول قال أرى أن يؤخذ منها وتقصير وقد ذكر أبو عيسى الترمذي في المصنف قال حدثني هناد بن السري قال حدثني عمرو بن هارون عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها‏.‏

وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا بن الأعرابي قال حدثني سفيان عن بن طاوس عن أبيه أنه كان يكره أن يشرب بنفس واحد وكان يأمرنا أن نأخذ من باطن اللحية وروى سفيان عن بن عجلان عن نافع عن بن عمر أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة وعن عطاء وقتادة مثله سواء وروى عبيد الله بن عمر عن نافع أن بن عمر كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة يقبض عليها ويأخذ من طرفها ما خرج من القبضة وكان قتادة يفعله وكان محمد بن كعب القرظي يرى للحاج أن يأخذ من الشارب واللحية وكان قتادة يأخذ من عارضيه وكان الحسن يأخذ من لحيته وكان بن سيرين لا يرى بذلك بأسا وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يأخذون من جوانب اللحية قال أبو عمر قد صح عن بن عمر ما ذكرناه عنه في الأخذ من اللحية وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى وهو أعلم بما روى‏.‏

1765- مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساءهم قال أبو عمر قد ذكرنا ما في هذا الحديث من المعاني والوجوه التي يمكن استنباطها من ألفاظه في التمهيد‏.‏

وأما الظاهر من معناه فهو النهي عن أن تصل المرأة شعرها بشعر غيرها وفي هذا المعنى جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة والواصلة هي الفاعلة والمستوصلة الطالبة أن يفعل ذلك بها حدثني أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثني عبيد الله بن محمد قال حدثني البغوي قال حدثني علي بن الجعد قال حدثني شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت الحسن بن مسلم بن يناق يحدث عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت تزوجت صبية من الأنصار فمرضت وتمرط شعرها فأرادوا أن يصلوا فيه فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فلعن الواصلة والمستوصلة وروي عن بن سيرين أنه سأله رجل فقال إن أمي كانت تمشط النساء أترى لي أن آكل من مالها وأرثه عنها فقال إن كانت لا تصل فلا بأس قال أبو عمر فإذا كان هذا لضرورة فلا يحل فكيف به من غير ضرورة ولهذا الحديث طرق قد ذكرت بعضها في التمهيد وفي هذا الحديث تقريع وتوبيخ من معاوية لأهل المدينة وقد احتج به بعض من لا يرى عمل أهل المدينة حجة لأن ظاهرة أن أهل المدينة لم يغيروا ذلك المنكر أو جهلوه‏.‏

1766- مالك عن زياد بن سعد عن بن شهاب أنه سمعه يقول سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك قال أبو عمر هكذا رواه جماعة الرواة عن مالك إلا حماد بن خالد الخياط فإنه رواه عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس فأخطأ فيه والصواب فيه من رواية مالك الإرسال كما في الموطأ‏.‏

وأما من غير رواية مالك فصوابه عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس لا من حديث بن شهاب الزهري عن أنس وقد ذكرنا حديث حماد بن خالد وحديث بن عباس أيضا من طرق في التمهيد منها ما حدثني أحمد بن فتح قال حدثني محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر قال حدثني الحسين بن محمد الضحاك قال حدثني أبو مروان العثماني قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني محمد بن جعفر الوركاني قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد ورواه الليث بن سعد وعبد الله بن وهب جميعا عن يونس بن يزيد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس مثله ورواه بن عيينة ومعمر عن بن شهاب عن عبيد الله لم يذكر بن عباس وقال محمد بن يحيى النيسابوري الصحيح المحفوظ في هذا الحديث ما رواه يونس وإبراهيم بن سعد قال أبو عمر روى عيسى عن بن القاسم عن مالك قال رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير وربيعة بن أبي عبد الرحمن وهشام بن عروة يفرقون شعورهم وكانت لهشام جمة على كتفيه وذكر بن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف يوم الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون كل من لم يفرق شعره وقد ذكرنا في التمهيد من كانت له لمة ومن كانت له وفرة ومن فرق من الصحابة والتابعين ومن حلق منهم وجئنا فيما جاء عنهم في ذلك بالآثار وأشبعنا هذا المعنى هناك والحمد لله كثيرا وقد ذكرنا هناك أيضا حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اخضبوا وافرقوا وخالفوا اليهود وقد كان مالك - رحمه الله - يفرق شعره زمانا من عمره وفي هذا الباب قال مالك ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس قال أبو عمر لا أعلم في هذا خلافا وأجمعوا أنه لا يجوز أن ينظر أحد إلى ذات محرم منه نظر شهوة وأن ذلك حرام عليه والله يعلم المفسد من المصلح ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏.‏

1767- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره الإخصاء ويقول فيه تمام الخلق قال أبو عمر يعني أن في ترك الخصاء تمام الخلق ويروى نماء الخلق واختلف أهل العلم بتأويل القرآن في معنى قوله تعالى ‏(‏ولأمرنهم فليغيرن خلق الله‏)‏ ‏[‏النساء 119‏]‏‏.‏

فقال بن عمر وأنس بن مالك وطائفة هو الخصاء وروي ذلك عن بن عباس وهو قول عكرمة وأبي صالح ونحو ذلك قول الحسن لأنه قال هو الوشم وروي ذلك عن بن مسعود وقال مجاهد وغيره في قوله تعالى ‏(‏فليغيرن خلق الله‏)‏ قال دين الله وروي ذلك عن بن عباس أيضا وعن إبراهيم وجماعة واستشهد بعضهم بقول الله عز وجل ‏(‏فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله‏)‏ ‏[‏الروم 30‏]‏‏.‏

وقد اختلف أهل العلم والفقهاء في الضحية بالخصاء والموجوء من الأنعام وأكثرهم على إجازته إذا كان سمينا وقالوا خصي فحل الغنم يزيد في سمنه وكره جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم وقالوا لو لم يشتروا منهم لم يخصوا ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله ‏(‏عز وجل‏)‏ وكذلك سائر أعضائهم وجوارحهم في غير حد ولا قود‏.‏

1768- مالك عن صفوان بن سليم أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام قال أبو عمر هكذا رواية مالك لم يختلف عليه رواه الموطأ في ذلك عنه وقد رواه سفيان بن عيينة عن صفوان بن سليم فأسنده حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني صفوان بن سليم عن امرأة يقال لها أنيسة عن أم سعد بنت مرة الفهري عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم - له أو لغيره - في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه قال أبو عمر وهذه فضيلة عظيمة إلى كل من ضم يتيما إلى مائدته وأنفق عليه من طوله فإذا كان مع ذلك من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا نال ذلك وحسبك بها فضيلة وقربة من منزل النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وليس بين السبابة والوسطى في الطول ولا في اللصوق كثير وإن كان نسبة ذلك من سعة الجنة كثيرا‏.‏

وأما قوله في هذا الحديث له أو لغيره فالمعنى -والله أعلم- من قرابته كان اليتيم أو من غير قرابته وهذا الحديث الذي قبله في الخصي ليسا من معنى هذا الباب في شيء وهما عند يحيى فيه كما ترى - والله عز وجل - الموفق للصواب وعند بن وهب والقعنبي وجماعة من رواة مالك عن مالك عن ثور بن زيد عن أبي الغيث سالم مولى بن مطيع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يقوم الليل ويصوم النهار وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه الساعي على الأرملة والمسكين ولا يذكر اليتيم‏.‏

باب إصلاح الشعر

1769- مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي جمة أفأرجلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأكرمها فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرمها هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة فيما علمت والله عز وجل أعلم وقد روته طائفة منهم عمر بن علي المقدمي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة قال كانت لي جمة وكنت كل يوم أدهنها مرة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم جمتك وأحسن إليها فكنت أدهنها في كل يوم مرتين ذكره البزار قال حدثني أحمد بن ثابت قال حدثني عمر بن علي المقدمي قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة فذكره وروى بن وهب عن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان له شعر فليكرمه وروى خالد بن إلياس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا الشعر قال أبو عمر حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن إدريس عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة قال مازح النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة فقال لأجزن جمتك فقال يا رسول الله ‏!‏ لك مكانها اثنان فدعها فقال له بعد ذلك أكرمها فكان يتخذ لها المسك وروى بن جريج عن عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ شعرا فليحسن إليه أو ليحلقه وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثائرا الرأس فقال إما أن تحسن إلى شعرك وإما أن تحلقه ورأى رجلا ثائر اللحية فقال لم يشوه أحدكم بنفسه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديثان معارضان لهذا في ظاهرهما أحدهما حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني هشام قال حدثنا الحسن عن عبد الله بن مغفل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا والآخر حديث بن بريدة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الإرفاه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد الصائغ قال حدثني سعيد بن سليمان قال حدثني بن المبارك عن كهمس بن الحسن عن بن بريدة فذكره قال كهمس قلت لابن بريدة ما الإرفاه قال الترجل كل يوم وهذا يحتمل أن يكون في من شعره سبط لا يحتاج أن يرجله في كل وقت‏.‏ وأما المشعث السمج فلا والله أعلم‏.‏

1770- مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن اخرج كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته ففعل الرجل ثم رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان قال أبو عمر روى بن وهب عن مسلم بن خالد أنه أخبره عن إسماعيل بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يرى الشعث وقد يتصل معنى حديث عطاء بن يسار هذا من حديث جابر رواه الأوزاعي قال حدثني حسان بن عطية قال حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا في منزلنا فرأى رجلا شعثا فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه وقد ذكرناه من طرق عن الأوزاعي في كتاب التمهيد‏.‏

وأما التشبيه بالشيطان فلما يقع في القلب من قبح صورته وقد قال عز وجل في شجرة الزقوم ‏(‏طلعها كأنه رؤوس الشيطين‏)‏ ‏[‏الصافات 65‏]‏‏.‏

على هذا المعنى والله أعلم‏.‏

باب ما جاء في صبغ الشعر

1771- مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليسا لهم وكان أبيض اللحية والرأس قال فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما قال فقال له القوم هذا أحسن فقال إن أمي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت على لأصبغن‏.‏

وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ قال مالك في صبغ الشعر بالسواد لم أسمع في ذلك شيئا معلوما وغير ذلك من الصبغ أحب إلي قال وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله ليس على الناس فيه ضيق قال مالك في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ ولو صبغ رسول الله لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود قال أبو عمر إن نخيلة بالخاء المنقوطة يرويه يحيى وكذلك رواه بن القاسم وطائفة من رواة الموطأ ورواه بن بكير ومطرف نحيلة بالحاء غير المنقوطة والله أعلم قال أبو عمر ما قاله مالك واستدل به استدلال حسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خضب لأخبرت بذلك عائشة عبد الرحمن بن الأسود لأنه الأرفع والأعلى في الحجة وفيما كان يفعله أفضل الأسوة ومما يعضد ذلك ويؤيده حديث ربيعة عن أنس من رواية مالك وغيره قوله لم يكن في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء وذكر البخاري عن بن بكير عن الليث عن خالد بن إسماعيل عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن عبد الرحمن قال سمعت أنسا يصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان ربعة من القوم ليس بالطويل وذكر الحديث إلى قوله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء قال ربيعة رأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت عنه فقيل لي احمر من الطيب ورواه موسى بن أنس عن أبيه قال لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم من الشيب ما يخضب حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني علي بن الجعد قال حدثني زهير بن معاوية عن حميد الطويل قال سئل أنس عن الخضاب قال خضب أبو بكر بالحناء والكتم وخضب عمر بالحناء قيل له فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء وأسر حميد إلى رجل على يمينه فقال كن سبع عشرة شعرة قال أحمد بن زهير‏.‏

وحدثني أبي قال حدثني معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال سألت سعيد بن المسيب أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لم يبلغ ذلك قال أبو عمر قد قال قوم من أهل العلم بالأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب ورووا في ذلك آثارا منها ما رواه بن إسحاق قال حدثني سعيد المقبري عن عبيد بن جريج قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن إني رأيتك تصفر لحيتك فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر بالورس فأنا أحب أن أصفر به كما كان يصنع وروى حماد بن سلمة ويحيى بن سعيد القطان كل واحد منهم عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر رأيتك تصفر لحيتك فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته وقال عطاء رأيت بن عمر ورأيت لحيته صفراء وقال عبد الله بن همام قلت لأبي الدرداء أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب فقال يا بن أخي ‏!‏ ما بلغ منه الشيب ما يخضب ولكنه كان منه ها هنا شعرات بيض وكان يغسلها بالحناء والسدر وقال عثمان بن موهب رأيت شعر النبي صلى الله عليه وسلم أخرجته إلى أم سلمة فرأيته مخضوبا بالحناء والكتم وقيل لمحمد بن علي أكان علي يخضب قال قد خضب من هو خير منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجاء بن حيوة لا يغير شيبة فشهد عنده أربعة أن النبي صلى الله عليه وسلم غير شيبة قال فغير في بعض المياه وقد ذكرت أسانيد هذه الأخبار كلها في التمهيد من كتاب أحمد بن زهير‏.‏

وأما قول مالك في الصبغ بالسواد أن غيره من الصبغ أحب إليه فهو كذلك لأنه قد كره الصبغ بالسواد أهل العلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إذ أتى بأبي قحافة ورأسه كأنه ثغامة غيروا شعره وجنبوه السواد ولم يختلف العلماء في جواز الصبغ بالحناء والكتم وما أشبههما وإن كانوا قد اختلفوا في الأفضل من تغيير شيب اللحية بالحناء ومن تركها بيضاء فكان مالك - رحمه الله - لا يغير شيبه حدثني أحمد بن عبد الله ومحمد بن علي قالا حدثني أبي قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني يحيى بن إبراهيم قال حدثني محمد بن يحيى قال رأيت الليث بن سعد يخضب بالحناء ورأيت مالك بن أنس لا يغير الشيب وكان نقي البشرة ناصع بياض الشيب حسن اللحية لا يأخذ منها من غير أن يدعها تطول قال يحيى ورأيت عثمان بن كنانة ومحمد بن إبراهيم وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن نافع وعبد الله بن وهب وأشهب بن عبد العزيز لا يغيرون الشيب قال ولم يكن شيب بن وهب وبن القاسم وأشهب بالكثير أخبرنا خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن بمكة في المسجد الحرام قال حدثني أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون قال قال بعض ولاة المدينة بمالك بن أنس ألا تخضب يا أبا عبد الله فقال له مالك لم يبق عليك من العدل إلا أن أخضب ‏!‏‏.‏

وحدثني خلف قال حدثني قاسم قال حدثني أبو بشر الدولابي قال حدثني أبو بكر بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني إسحاق بن عيسى قال رأيت مالك بن أنس لا يخضب فسألته عن تركه الخضاب قال بلغني أن عليا كان لا يخضب وقال سفيان بن عيينة كان عمرو بن دينار وأبو الزبير وبن أبي نجيح لا يخضبون وكان علي بن أبي طالب والسائب بن يزيد وجابر بن زيد ومجاهد وسعيد بن جبير لا يخضبون كلهم أبيض الرأس واللحية قال أبو عمر كان الشافعي - رحمه الله - يخضب وكان الشيب قد سبق إليه وعجل عليه فتوفي وهو بن أربع وخمسين ذكره الربيع بن سليمان كان الشافعي يخضب لحيته حمراء قانية وروى الشافعي وغيره عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا بكر خضب بالحناء والكتم وعن سفيان أيضا عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ومن حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم وروى محمد بن كناسة قال حدثني هشام بن عروة عن أخيه عثمان بن عروة عن أبيه عن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ورواه وهب عن هشام بن عروة عن عثمان بن عروة عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وقال يحيى بن معين إنما هو عن عروة بن الزبير مرسلا وممن خضب من الصحابة والتابعين بالحناء والكتم وكانت لحيته قانية أبو بكر وعمر وأنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى والحسن بن علي ومحمد بن الحنفية وجماعة وقد ذكرناهم في التمهيد قال أبو جعفر الأنصاري رأيت أبا بكر ولحيته ورأسه كأنهما حمر القطا وقال قيس بن أبي حازم كان أبو بكر يخرج إلينا ولحيته كأنها ضرام عرفج من الحناء والكتم وكان عثمان بن عفان ومعاوية والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وسلمة بن الأكوع وقيس بن أبي حازم وأبو العالية وجماعة قد ذكرناهم في التمهيد يصفرون لحاهم‏.‏

وأما الخضاب بالسواد فحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن عليه عن الليث عن أبي الزبير عن جابر قال جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأن رأسه ثغامة فقال اذهبوا به إلى بعض نسائه فليغيرنه وجنبوه السواد وقال عطاء ما رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالسواد ما كانوا يخضبون إلا بالحناء والكتم وهذه الصفرة حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب قال سمعت سعيد بن جبير وسئل عن الخضاب بالوشمة فقال يكسو الله - عز وجل - في وجهه نورا ثم يطفئه بالسواد وممن كره الخضاب بالسواد مجاهد وعطاء وطاووس ومكحول والشعبي وروي ذلك عن أبي هريرة وقد خضب بالسواد الحسن والحسين ومحمد بنو علي بن أبي طالب وقال عبد الأعلى سألت بن الحنفية عن الخضاب بالوشمة فقال هو خضابنا أهل البيت وقال محمد بن إسحاق كان أبو جعفر بن علي بن حسين يخضب بالحناء والوشمة ثلثين بالحناء وثلثا وشمة وخضب بالسواد نافع بن جبير وموسى بن طلحة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعقبة بن عامر وكان عقبة بن عامر ينشد في ذلك‏:‏

أسود أعلاها وتأبي أصولها *** ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل

وكان الحسين بن علي يقول في ذلك‏:‏

نسود أعلاها وتأبي أصولها *** فليت ما يسود منها هو الأصل

وكان هشيم يخضب بالسواد فأتاه رجل فسأله عن قول الله - عز وجل ‏(‏وجاءكم النذير‏)‏ ‏[‏فاطر 37‏]‏‏.‏ فقال له قد قيل له إنه الشيب فقال له السائل فما تقول في من جاءه نذير من ربه فسود وجهه فترك هشيم الخضاب بالسواد‏.‏

باب ما يؤمر به من التعوذ

1772- مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أروع في منامي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعاقبة وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وهذا الحديث محفوظ من رواية أهل المدينة مرسلا ومسندا حدثني أبو محمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن محمد بن يحيى بن حبان أن خالد بن الوليد كان يروع - أو يروق - من الليل فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتعوذ بكلمات الله التامة من غضب الله وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث نفس يجده وأنه قال له إذا أتيت فراشك فقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وكذلك رواه بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوليد بن الوليد أخي خالد لا في خالد قال كان الوليد بن الوليد بن المغيرة يروع في منامه ثم ذكر مثل حديث مالك سواء وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى شرح وفيه التعوذ بكلمات الله وفيه الاستعاذة ولا تكون بمخلوق وكلمات الله من الله وليس من الله شيء مخلوق وتفسير قوله وأن يحضرون فإن أهل المعاني قالوا معناه وأن يصيبني أحد بسوء وكذلك قال أهل التفسير في قول الله - عز وجل - ‏(‏أعوذ بك من همزت الشيطين وأعوذ بك رب أن يحضرون‏)‏ ‏[‏المؤمنون 97‏]‏‏.‏

98 قالوا يصيبوني بسوء ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه الحشوش محتضرة أي يصاب الناس فيها وقد قيل إن هذا أيضا قول الله - عز وجل - ‏(‏كل شرب محتضر‏)‏ ‏[‏القمر 28‏]‏‏.‏ أي يصيب منه صاحبه‏.‏

1773- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال له جبريل أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى فقال جبريل فقل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن قال أبو عمر هذا الحديث قد رواه قوم عن يحيى بن سعيد مسندا حدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني حمزة بن محمد بن علي قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري قال حدثني سعيد بن أبي مريم قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عياش الشامي عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وهو مع جبريل وأنا معه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وجعل العفريت يدنو ويزداد قربا فقال جبريل ألا أعلمك كلمات تقولهن فيكب العفريت لوجهه وتطفأ شعلته قل أعوذ بوجه الله الكريم وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل إلا طارق يطرق بخير يا رحمن فكب العفريت لوجهه وطفئت شعلته وقد روى عبد الرحمن بن خنبش عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى قال حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني عفان قال حدثني جعفر بن سليمان قال حدثني أبو التياح قال سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قادته الشياطين قال جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية وتحدرت عليه من الجبال وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرعب منه - قال جعفر أحسبه قال وجعل يتأخر - فجاء جبريل وقال يا محمد قل قال ما أقول قال قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن قال فطفئت شعلة الشيطان وهزمهم الله تعالى‏.‏

1774- مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلا من أسلم قال ما نمت هذه الليلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي شيء فقال لدغتني عقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك هذا حديث مسند متصل وفيه دليل على أن كلمات الله غير مخلوقة لأنه لا يستعاذ بمخلوق والقرآن كلامه جل جلاله‏.‏

1775- مالك عن سمي مولى أبي بكر عن القعقاع بن حكيم أن كعب الأحبار قال لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا فقيل له وما هن فقال أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وبرأ وذرأ قال أبو عمر هذا يدل على أن من السحر ما يغلب الأعيان أحيانا والله أعلم وهذا معنى قول كعب لجعلتني يهود حمارا وفي ما تقدم من الأحاديث في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشهد لقول كعب في تعوذه وأن من الدعاء والاستعاذة والرقى ما يصرف السوء والبلاء والحمد لله كثيرا‏.‏

باب ما جاء في المتحابين في الله

1776- مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي قال أبو عمر قوله المتحابون لجلالي أي المتحابون في ومن أجلي إجلالا ومحبة وابتغاء مرضاتي والمعنى في ذلك أن يكون العمل لله - عز وجل - خالصا لا يكون لشيء من عرض الدنيا إنه يحبه لله عز وجل مؤمن به مخلص له ويحبه لدعائه إلى الخير ولفعله الخير وتعليمه الدين والدين جماع الخير كله فإذا أحبه لذلك فقد أحب الله - عز وجل - قال الله عز وجل ‏(‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله‏)‏ آل عمران روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة أن رجلا سأله فقال يا رسول الله مال المرء يحب القوم ولما يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث البراء بن عازب أنه قال أوثق عرى الإسلام الحب في الله ‏(‏عز وجل‏)‏ والبغض في الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ومن حديث بن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن مسعود أتدري أي عرى الإسلام أوثق قلت الله ورسوله أعلم قال الولاية في الله عز وجل والحب فيه والبغض فيه ومن حديث بن مسعود أيضا قال أوحى الله - عز وجل - إلى نبي من الأنبياء أن قل لفلان الزاهد أما زهدك في الدنيا فتعجلت به راحة نفسك‏.‏

وأما انقطاعك إلي فقد تعززت بي فماذا عملت فيما لي عليك فقال يا رب وما لك علي قال هل واليت في وليا أو عاديت في عدوا وقال عليه السلام حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق وروي عن مسروق أنه قال حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة وقال بريدة الأسلمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال والله إنه لعهد النبي الأمي إلي إنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق وقال جابر بن عبد الله ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي قال أبو عمر فمن الحب في الله - عز وجل - حب أولياء الله عز وجل وهو حب الأتقياء الأولياء منهم المعلمون لدين الله ‏(‏عز وجل‏)‏ العاملون به وروى ثابت البناني عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تحاب رجلان في الله - عز وجل - إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه وروى ثابت البناني أيضا عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرسل الله - عز وجل - على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال له أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل له عليك من نعمة تربها قال لا ولكنني أحببته في الله - عز وجل - قال فإني رسول الله إليك إنه قد أحبك كما أحببته فيه ومن حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لله - عز وجل - عباد ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنازلهم أو بمكانهم من الله عز وجل قالوا يا نبي الله من هم وما أعمالهم لعلنا نحبهم قال قوم تحابوا لروح الله - عز وجل - من غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها والله إن وجوههم نور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ ‏(‏ألآ إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏)‏ ‏[‏يونس 62‏]‏‏.‏

وهذه الآثار كلها قد ذكرنا أسانيدها كلها في التمهيد وروينا عن قتادة عن مسلم بن يسار قال مرضت مرضة فلم يكن في عملي شيء أوثق في نفسي من قوم كنت أحبهم في الله - عز وجل وعن ثابت البناني عن مسلم بن يسار قال ما في عملي شيء إلا وأنا أخاف أن يكون قد دخله ما يفسده إلا الحب في الله - عز وجل حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثني أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثني الهيثم بن خارجة قال حدثني إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو وعبد الرحمن بن ميسرة عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تبارك وتعالى المتحابون لجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي‏.‏

1777- مالك عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جمهور الرواة على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد ورواه مصعب الزبيري وأبو قرة موسى بن طارق عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة وأبي سعيد معا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه زكريا بن يحيى الوقار عن بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم ويوسف بن عمرو بن يزيد ثلاثتهم عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أبا هريرة وهذا خطأ من الوقار لم يتابع عليه ولم يكن من أهل الحديث وقد ذكرنا الروايات عنهم بذلك في التمهيد والمحفوظ المعروف عن بن وهب وبن القاسم روايتهما لهذا الحديث عن مالك كما رواه يحيى وجمهور الرواة على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد والصحيح عندي فيه - والله عز وجل أعلم - أنه عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد لأنه كذلك رواه عبيد الله بن عمر وكان إماما في الحديث عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رواه عنه بن المبارك وحماد بن زيد ويحيى القطان كذلك وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وظل الله - عز وجل - في هذا الموضع رحمته - والله عز وجل أعلم - وجنته وقيل ظل الله عز وجل ظل عرش الله قال الله عز وجل ‏(‏أكلها دآئم وظلها‏)‏ ‏[‏الرعد 35‏]‏‏.‏

وقال عز وجل ‏(‏إن المتقين في ظلل وعيون‏)‏ ‏[‏المرسلات 41‏]‏‏.‏ وقال تعالى ‏(‏وظل ممدود‏)‏ ‏[‏الواقعة 30‏]‏‏.‏

ومن كان في ظل الله عز وجل - سلم من هول الموقف وشدته وما يلحق الناس فيه من القلق والضيق والعرق على ما في حديث المقداد بن الأسود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل في قوله عليه السلام إمام عادل كل من حكم بين اثنين فما فوقهما من رعية أو أهل وذرية كما قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الحديث وقال صلى الله عليه وسلم المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وهم الذين يعدلون في أهليهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وقال علي - رضي الله عنه - في خطبته يوم الجمعة على المنبر أيها الرعاء إن لرعيتكم عليكم حقوقا الحكم بالعدل والقسم بالسوية وما من حسنة أحب إلى الله - عز وجل - من حكم إمام عادل قال أبو عمر في فضل الإمام العادل وفضل الشاب الناسك وفضل المشي إلى المسجد والصلاة فيه وانتظار الصلاة بعد الصلاة وفي المتحابين في الله - عز وجل وفي العين الباكية من خشية الله - عز وجل - وفي فضل الصدقة في السر والعلانية وفي فضل العفاف والتارك شهوته خوفا من الله - عز وجل - وحبا منه وتصديقا بوعيده ووعده آثار كثيرة يطول الكتاب بذكرها وفي محكم القرآن من ذلك كله بيان شاف وبالله - عز وجل - التوفيق‏.‏

1778- مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد قال لجبريل قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله العبد قال مالك لا أحسبه إلا أنه قال في البغض مثل ذلك قال أبو عمر هكذا رواه جماعة من الرواة عن مالك فيما علمت ورواه عبد العزيز بن المختار ومعمر وحماد بن سلمة عن سهيل بإسناده وقالوا في آخره وإذا أبغض العبد فقال مثل ذلك ولم يشكوا وروى عبد العزيز بن أبي سلمة عن سهيل بإسناده فلم يذكر فيه البغض أصلا وروى هذا الحديث نافع مولى بن عمر عن أبي هريرة بمثل ذلك لم يذكر البغض ورواه حجاج وروح بن عبادة وغيرهما عن بن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قال الله عز وجل ‏(‏إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت سيجعل لهم الرحمن ودا‏)‏ ‏[‏مريم 96‏]‏‏.‏

فقال أهل العلم بتأويل القرآن منهم بن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير يحبهم يحببهم إلى الناس وقالوا في قول الله - عز وجل - ‏(‏وألقيت عليك محبة منى ‏)‏ ‏[‏طه 39‏]‏‏.‏

حببتك إلى عبادي وقال الربيع بن أنس إذا أحب الله - عز وجل - عبدا ألقى له مودة في قلوب أهل السماء ثم ألقى مودة في قلوب أهل الأرض وقال كعب الأحبار والله ما استقر لعبد ثناء في أهل الأرض حتى يستقر ثناء في أهل السماء وقال عبد الله بن مسعود لا تسل أحدا عن وده لك وانظر ما في نفسك له فإن في نفسه مثل ذلك إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقد ذكرنا آثار هذا الباب بالأسانيد في التمهيد وروي عن أبي الدرداء أنه قال إياكم ومن تبغضه قلوبكم أخذه منصور الفقيه الشافعي فقال‏:‏

شاهدي ما في مضمري *** من صدق ودي مضمرك

فما أريد وصفه *** قلبك عني يخبرك

وقيل أنها لداود بن منصور وهي أصح والله أعلم ومن حديث هذا المعنى قول صالح بن عبد العزيز ‏(‏لا أسأل الناس عما في ضمائرهم‏.‏‏.‏‏.‏ ما في ضميري لهم من داء يلقين‏.‏

1779- مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله لأحبك لله فقال آلله فقلت آلله فقال آلله فقلت آلله فقال الله فقلت آلله قال فأخذه بجبوة ردائي فجبذني إليه وقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في قال أبو عمر قد مضى في المتحابين في الله ما فيه كفاية والحمد لله أخبرنا عبد الرحمن بن عمر فيما كتب به إلي قال حدثني بن الأعرابي قال حدثني عبد الصمد بن أبي يزيد قال سمعت أحمد بن أبي الحواري قال حدثني أحمد بن يونس الحذاء قال سئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله عز وجل من هم فقال العاملون بطاعة الله المتعاونون على أمر الله وإن تفرقت دورهم وأبدانهم قال أحمد فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال قد يعملون بطاعة الله ويتعاونون على أمره ولا يكونون إخوانا في الله حتى يتزاوروا ويتباذلوا فقال أحمد صدق الله قال أبو عمر معنى التباذل أن يبذل كل واحد منهما ماله لأخيه متى احتاج وفي هذا الحديث لقاء أبي إدريس الخولاني لمعاذ بن جبل وسماعه منه وهو حديث صحيح الإسناد لا مطعن فيه لأحد وقد عده بعض من لم تتسع روايته ولا عظمت عنايته بهذا الشأن غلطا من أبي حازم أو ممن دونه واحتج بما رواه معمر وبن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس قال أدركت عبادة بن الصامت وأبا الدرداء وشداد بن أوس ووعيت عنهم وفاتني معاذ بن جبل وقد صح عن أبي إدريس من طرق شتى صحاح كلها لقاؤه لمعاذ بن جبل وقد ذكرناه في التمهيد ولا خلاف أن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين وأن معاذ بن جبل توفي سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة في طاعون عمواس بغير نكير أن يسمع منه وهو غلام وولي أبو إدريس قضاء دمشق من فضالة بن عبيد دون واسطة وكان فضالة قاضيا بعد أبي الدرداء وقال الوليد بن مسلم أدرك أبو إدريس معاذ بن جبل وهو بن عشر سنين قال أبو عمر يحتمل قول الزهري عن أبي إدريس فاتني معاذ في معنى كذا أو في حديث كذا أو في طول مجالسته كمجالسته لأبي الدرداء وقد أدرك أبو إدريس جماعة من الصحابة غير من ذكر الزهري كما أدرك الذين أدرك الزهري وقد ذكرت الشواهد على ما قلت من ذلك في التمهيد والحمد لله كثيرا‏.‏

1780- مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول القصد والتؤدة حسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة قال أبو عمر القصد ها هنا الاقتصاد في النفقة وفي معناه جاء الحديث ما عال من اقتصد‏.‏ وأما التودة التأني والاستثبات في الأمر‏.‏

وأما حسن السمت فالوقار والحياء وسلوك طريقة الفضلاء وقد روي حديث بن عباس هذا مسندا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني أبو خيثمة مصعب بن يزيد وسعيد بن جعفر الثقفي قالا حدثني زهير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السمت الصالح والهدى الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة قال أبو عمر رواه عبد الملك بن حسين النخعي عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والصواب فيه ما قاله زهير بن معاوية -والله أعلم- وكان زهير حافظا وليس عبد الملك بن حسين بمشهور بحمل العلم حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن بكر بن داسة قال حدثني أبو داود قال حدثني النفيلي قال حدثني زهير قال حدثني قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه قال قال لنا عبد الله بن عباس إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إن الهدى الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة وروى عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال سمعت بن أنس يقول قال بن عباس حسن السمت والتؤدة ونقاء الثوب وإظهار المروءة وحسن الهيئة جزء من بضعة وأربعين جزءا من النبوة قال أبو عمر والصواب عن مالك ما في الموطأ ‏(‏52كتاب الرؤيا‏)‏‏.‏

باب ما جاء في الرؤيا

1781- مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة في ما علمت وقد رواه شعبة عن قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وروى عفان بن مسلم عن عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وعشرين جزءا من النبوة هكذا جاء هذا الحديث جزء من ستة وعشرين جزءا وإسناده عن عفان في التمهيد وروى حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين العقيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا جزء من أربعين جزءا من النبوة هكذا قال من أربعين وإسناده في التمهيد وقد روي في حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن جريج عن بن أبي حسين عن عكرمة عن بن عباس وروي عن عبادة أيضا مرفوعا جزء من أربعة وأربعين جزءا من النبوة وروي عن بن عباس مرفوعا أيضا جزء من خمسين جزءا من النبوة وقال حدثنيه العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كله مذكور في التمهيد‏.‏

1782- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك قال أبو عمر أكثر الروايات عن أبي هريرة في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة هكذا رواه سعيد بن المسيب وأبو سلمة وأبو صالح السمان ومحمد بن سيرين عن أبي هريرة كما رواه الأعرج جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة واختلف في ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاصي فروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم جزء من ستة وأربعين جزءا وروي عنه جزء من تسعة وأربعين وفي حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة رواه الليث بن سعد عن بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سماك عن عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رؤيا المسلم جزء من سبعين جزءا من النبوة وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث وغيرها في باب إسحاق من التمهيد واختلاف ألفاظ الرواة من الصحابة وغيرهم في الأجزاء المذكورة من النبوة والحمد لله كثيرا وقد تكلمنا على معانيها هناك بما فيه بلاغ وشفاء إن شاء الله تعالى وتكلمنا فيما يتوجه عليه وجوه الوحي وأنواعه فالرؤيا نوع من أنواعه ولا خلاف بين العلماء أن رؤيا الأنبياء وحي بدليل قوله عز وجل حاكيا عن إبراهيم وابنه صلوات الله عليهما ‏(‏إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبت افعل ما تؤمر‏)‏ ‏[‏الصافات 102‏]‏‏.‏

يعني ما أمرك الله به في منامك وهذا واضح والحمد لله كثيرا حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن المفسر قال حدثني أحمد بن علي قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني يحيى بن صالح عن سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها وليفسرها وإذا رأى الرؤيا تسوؤه فلا يذكرها ولا يفسرها‏.‏

1783- مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ويقول ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة قال أبو عمر لا أعلم لزفر بن صعصعة ولا لأبيه غير هذا الحديث ولا أعلمه روى عنه غير إسحاق بن أبي طلحة -والله أعلم- وهكذا قال يحيى وأكثر رواة الموطأ في هذا الحديث عن مالك عن إسحاق عن زفر بن صعصعة عن أبيه ومن رواة مالك من لا يقول فيه عن أبيه ويجعله لزفر بن صعصعة عن أبي هريرة والأكثر يقول فيه عن أبيه وهذا الحديث يدل على شرف علم الرؤيا وفضلها لأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من صلاة الغداة هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا إلا ليقصها عليه ويعبرها ليتعلم أصحابه كيف الكلام في تأويلها وذلك دليل على فضل عبارة الرؤيا وشرف علمها وحسبك بيوسف صلى الله عليه وسلم وما أعطاه الله منها وفي أنبياء الله أسوة حسنة صلوات الله عليهم‏.‏

1784- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إرسال هذا الحديث ولا أعلمه مسندا متصلا في رواية عطاء بن يسار ومعناه مسند صحيح من حديث بن عباس وغيره وإنما أعرف لعطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأويل قول الله عز وجل ‏(‏لهم البشرى في الحيوة الدنيا‏)‏ ‏[‏يونس 64‏]‏‏.‏

قال هي الرؤيا الصالحة رواه الأعمش وعبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء ورواه وكيع وأبو معاوية وعلي بن مسهر وغيرهم عن الأعمش‏.‏

وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عمرو بن دينار عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر قال سألت أبا الدرداء عن قول الله عز وجل ‏(‏لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفى الآخرة‏)‏ ‏[‏يونس 64‏]‏‏.‏

قال ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها غيرك إلا رجل واحد وهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له قال سفيان ثم لقيت عبد العزيز بن رفيع فحدثنيه عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سفيان ثم لقيت محمد بن المنكدر فحدثنيه عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وروي من حديث جابر بن عبد الله وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاصي وطلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي الدرداء ومعناه وعلى ذلك أكثر أهل التفسير‏.‏

1785- ومن ذلك ما ذكر مالك في آخر هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية ‏(‏لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفى الآخرة‏)‏ ‏[‏يونس 64‏]‏‏.‏

فقال هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له‏.‏

وأما حديث بن عباس فحديثه إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن العباس الحلبي قال حدثني علي بن عبد الحميد الغضائري قال حدثني محمد بن أبي عمر العبدي‏.‏

وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثني بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة في مرضه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له قال أبو عمر هذا الحديث في معنى قول الله تعالى ‏(‏ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين‏)‏ ‏[‏الأحزاب 40‏]‏‏.‏

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي‏.‏

1786- مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله قال أبو سلمة إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها قال أبو عمر في هذا الحديث نص في معنى الرؤيا ودليل فالنص منها أن من رأى في منامه ما يكره فنفث عن يساره ثلاث مرات وتعوذ بالله من شر ما رأى لم تضره تلك الرؤيا والدليل منه أن كل ما يكره من أنواع الرؤيا فهو حلم وليس برؤيا بل هي أضغاث لا تضره إذا استعاذ بالله الذي رآها من شرها ونفث كما أتى في الحديث -والله أعلم- حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن محمد بن يزيد الحلبي القاضي قال حدثني محمد بن جعفر بن يحيى قال حدثني هشام بن عمار قال حدثني يحيى بن حمزة قال حدثني يزيد بن عبيدة قال حدثني مسلم بن مشكم عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليحزن بن آدم ومنها ما يهم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال قلت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني مضر بن محمد الكوفي قال حدثني إبراهيم بن عثمان المصيصي قال حدثني مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاثة فالرؤيا الحسنة من الله والرؤيا من تحزين الشيطان والرؤيا ما يحدث به الإنسان نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به وليقم فليصل قال أبو هريرة وأحب القيد وأكره الغل القيد في النوم ثبات في الدين قال أبو عمر قد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله‏.‏